أساليب
يبدأ الغش من أبسط الأمور، وهي الحديث إلى الزملاء، وهو ما يحاربه المراقبون دوماً، "لكن الحديث إلى المراقبين بالذات أقل ضرراً وأكثر فائدة أحياناً"، تقول ربى التي نالت إجازتها الجامعية قبل عامين. وتعتبر أنّ كثيراً من الأسئلة يمكن استدراج الأستاذ لحلها أو "إعطاء إشارات مفيدة عنها"، وهو ما اعتمدته دائماً بشكل لا ينتقص من قدرتها، تقول.
أما أبعد الأمور فهو ما يكشفه "الدكتور" غالب الذي يتحدث عن زميل له تخرج طبيباً معه في إحدى الدول الأوروبية قبل ثلاثة أعوام. يقول غالب عن ذلك الزميل إنّه "لم يتواجد في محاضرة يوماً"، لكنّه ببساطة نجح في كلّ السنوات لسبب بسيط أنّه دفع ثمن ذلك النجاح أموالاً طائلة "سنة بسنة أيضاً.. الله يعين المرضى!"، يعلّق.
وللتعرف على أساليب الغش التقليدية يقول رعد (17 عاماً)، الذي نجح في امتحان الشهادة المتوسطة الرسمي العام الماضي بعد رسوب لسنتين، إنّه ما كان لينجح لولا "الروشتات والكتابة على القمصان وفتح الكراريس". ورعد لا يطلق اسم الغش على تلك الممارسات، بل "النقل"، كغيره من الطلاب. أما الطريقة الأولى التي تحدّث عنها فتتعلق بكتابة أوراق صغيرة منقولة عن الدروس المطلوبة في الامتحان، وتهريبها في الجيوب إلى القاعة أملاً في تطابقها مع أحد الأسئلة: "ارتديت سروالا بجيوب واسعة وزعت الأجوبة عليها، ومع كل سؤال عن موضوع أسحب ورقة من جيب معين"!
الطريقة الثانية هي الكتابة على القمصان الداخلية لكن بطريقة مميزة. ويشرح رعد: "كتبت على طرف البروتال من الداخل بشكل يسمح لي حين أقلبه أن تكون الأسطر في الاتجاه الصحيح لمستوى نظري". والطريقة الثالثة هي أبسط الطرق حيث لا تتطلب إلاّ نظراً قوياً يمتلكه الطالب لـ"يتنقل" في أوراق امتحان زملائه، رغم أنّ المراقبين غالباً ما يرفعون أصواتهم تجاه هذا الأمر قائلين للطرفين "خبّي ورقتك... انظر إلى ورقتك"، يقول رعد.
تلك الأساليب ليست وحدها المنتشرة بين الطلاب بل تمتد إلى غيرها. ويملك كلّ طالب فكرة مختلفة عن سواه بهذا الخصوص، حيث استخدم ربيع الكتابة على "المقلمة والآلة الحاسبة" في امتحان الثانوية العامة منذ عامين. وتتميز مثل هذه الأساليب بأنّها غير مفضوحة كسواها من الأساليب العصرية التي تحاول استخدام الهاتف الخلوي، "على الرغم من أنّ العديد من الطلاب استخدموه ونجحوا في ذلك"، يقول ربيع. لكنّه يؤكد أنّ الأساليب التقليدية أفضل بكثير حيث "لا يمكن كشفها".
وقد تتعلق المسألة بالمرحلة الدراسية وقدرة الطالب الخاصة كحالة نهى (19 عاماً) مثلاً التي استخدمت الهاتف الخلوي أكثر من مرة في اختباراتها الجامعية لقراءة بعض الملاحظات، حتى إنها تلقت اتصالاً في إحدى المرات ولو أنها ضبطت؛ "لكن طلب مني المراقب أن أطفئ الهاتف فقط"!
"فتبيّنوا"
تعتبر الكتابة "التحضيرية" الأكثر انتشاراً بين الطلاب، حيث تبرز لها أشكال عديدة تتحدث عنها فيرا (17 عاماً) التي تخوض العام المقبل امتحانات الثانوية العامة. وتقول فيرا إنّ حدود مثل هذا النوع غير موجودة "فلكل طالب ابتكاره الخاص"، ويمتد الأمر ليشمل الكتابة على "الحيطان والطاولات والمريول والجينزات والأيدي... والأرجل أيضاً"!
أما بخصوص "النقل" عن أوراق الطلاب الآخرين فتقول فيرا الخبيرة، إنّه "غير آمن دائماً". وتكشف عن قصة زميل لها نقل أجوبة اختبار كاملة عن زميل آخر، من دون أن يعرف أن الثاني كتب كلّ الأجوبة بشكل خاطئ، وعاود كتابة الاختبار مجدداً "بعد تسليم الأول لكرّاسه". تضحك فيرا على تلك الحادثة لكنّها تعتقد أنّ المطلوب أن يمتلك الطالب الذي يمارس النقل "الحدّ الأدنى من المعرفة بالمادة والذي يبيّن له صحة أو خطأ ما ينقل".
جرأة
إحدى أغرب الوسائل في الكتابة التحضيرية تلك، ما قامت به شمس في اختبار الأدب العربي في ثانويتها، حيث وضعت دفتراً فوق الطاولة أمامها بالضبط، نقلت عنه كلّ الأجوبة، ورغم أنّ الأستاذ رآه مفتوحاً أمامها فلم يثر أيّ شك لديه! المسألة أنّ شمس كتبت اللغة العربية بحروف إنكليزية "ولم يخطر ببال أحد أن يقرأ تلك السطور".
جميل (25 عاماً) يدرس العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية منذ 6 سنوات، ولم يتمكن حتى اليوم من نيل الإجازة، فهنالك دوماً "مواد عالقة من السنوات الثلاث". هو لم يعتمد الغش بشكل دائم "والدليل على هذا أنّني لم أنل الإجازة حتى اليوم"، لكنّه مارسه في عدة مناسبات وبطرق عدة.
أما أبرز تلك الطرق فقد كانت في اختبار مادة الاتجاهات الاجتماعية المعاصرة، حيث وضع الكتاب تحت الطاولة تماماً، وجعل يتصفح الأوراق من دون أن يلقي بالاً لأي مراقب! ويؤكد بهذا الخصوص أنّ المسألة لا تتطلب أكثر من "جرأة وثقة بالنفس، فأكثر الناس لا يرون ما هو واضح أمامهم"، يقول جميل الذي استفاد على ما يبدو من مواد علم النفس في اختصاصه.
أما أخطر أساليب الغش داخل قاعة الامتحان فهو ما قام به أحمد مراراً، ولو أنّه لم يكن المستفيد من الأمر. وأحمد لم يجد يوماً حرجاً في مساعدته لزملائه.. بل زميلاته على وجه الخصوص، حين ينجز امتحانه بالكامل ويتبادل كرّاسه مع كرّاس إحدى الطالبات "بسرعة خاطفة"، لتقوم هي بنفسها بتسليم كرّاس أحمد على أنّه لها، خاصة أن الأسماء والأرقام مقفلة. عندها يقوم بكتابة اختبارها عوضاً عنها، وطبعاً يتطلب الأمر "ثقة متبادلة... وبعض المودّة"، يقول أحمد المجتهد في كل شيء..
هي إذاً أساليب متعددة تهدف إلى أمر واحد هو النجاح.. مهما كان شكله ومضمونه، خاصة في ظل مناهج دراسية لبنانية لا تلقى إجماعاً وطنياً. هي أساليب لا تراعي أي مراقبة أو تحذيرات أو حتى إرشادات أخلاقية بضرورة الابتعاد عنها، "فمن اعتادها لن يتمكن يوماً من النجاح إلاّ من خلالها"، يؤكد أيمن.
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
mestermohamadeid